همس .. التعبانين

همس .. التعبانين

الثلاثاء، ٣١ يوليو ٢٠١٢

تاكسى مصر




<< الجو حر نار وشكل الإشارة هتكمل شوية حلوين، فبدل الوقفة في الحر تعالى اركب يا باشا؛ أنا كده كده باشغل التكييف سواء فيه زبون راكب معايا أو لأ، شكلك ابن ناس وبصراحة صعبت عليّ>>.

<< قلت لي رايح فين؟ جورنال إيه؟ إنت صحفي يا باشا؟ ياما إنت كريم يا رب! ده من كتر ما باسمع عنكم وماقابلتش حد فيكم افتكرتم خيال علمي.. هاهاهاها.. لا مؤاخذة يا باشا أنا أصلي بحب الهزار بدل ما ممكن يحصل لي حاجة من اللي بيورد علينا في البلد دي.. نعمل إيه بقى، مافيش قدامنا غير النكتة والضحك بدل ما نمرض ونموت، والحمد لله إنها يا دوب رسيت على الضغط والسكر وفيروس سي بدل ما كنت أبقى صاحب مرض زي باقي المصريين.. اللهم احفظنا! >>.

<< كله من العيال بتوع التحرير اللي عرّضوها على الآخر وحبوا يقلدوا تونس وثورة تونس، وآدي تونس النهارده أهي بتحرق مقرات الإخوان المسلمين هناك والدنيا والعة، ومش عارفين رايحين على فين سواء إحنا ولا تونس>>

<< معاك يا باشا إن مبارك كان وحش وابن ستين في سبعين، بس يعنى إحنا اللي ملايكة؟ طب آديه انطس تأبيدة وبعيد عن الحكم دلوقتي.. تقدر تقول لي فين بقى الرخاء والخير اللي وعدونا بيه؟ هما مش كانوا بيقولوا برضه عيش حرية عدالة اجتماعية؟ آدينا مش لاقيين الرغيف الصغير أبو خمسة صاغ اللي كان فيه ييجي بتلاتة جنيه مسامير...هههههه.. على الأقل مبارك كان بيعمل فينا خير وبيدعم الحديد والدقيق في وقت واحد، إنما دلوقتي لا لاقيين الرغيف ولا المسامير، والنور كل شوية يقطع ويقعد بالساعات واللي عنده تكييف اتحرق، واللي عنده تلاجة فصلت وما رجعتش تاني، ويا ريت بتيجي على قد كده وبس.. ديك النهار جارة أختي كان عندها مولود محجوز في حضّانة المستشفى عشان نزل ناقص بعيد عنك.. لا بعد الشر عليه إيه بقى يا باشا؟! ما توفى خلاص هو وباقي العيال اللي في الحضانة.. أصل النور اتقطع فترة كبيرة وما قدروش يلحقوا العيال.. ناقص بعد كده يطلبوا مننا نخلف العيل ونسلمه في الحضانة ومعاه شاحن عشان لو النور قطع... هعهعهعهع.. استغفر الله العظيم يا رب! مافيش هزار في الموت أنا عارف بس نعمل إيه بقى؟!>>.
 << فلول؟ يا دي أم الكلمة اللي كل واحد مخنوق من التاني يقوم قايلها له، لدرجة إن كلنا بقينا فلول.. تصدق وتآمن بالله؟ أنا نزلت التحرير مش عشان أوصل الناس بالتاكسي وأعمل قرشين زي العيال بتوع السجاير والشاي وعربيات الكبدة اللي كانوا سارحين في الميدان، بس كنت مخنوق من مبارك والحرامية اللي حواليه ونزلت أفش غلّي، بس بعدين خدت إيه لا مؤاخذة؟! آديك شفت اللي ماتوا في المظاهرات، ومحمد محمود ومجلس الوزرا وماسبيرو، واستاد بورسعيد مين جاب حقهم؟ يا ريت حتى موتهم بيعود علينا بفايدة، إنما هم بيموتوا واحنا بيتحط علينا والأسعار بتزيد والأنابيب بتختفى ده غير زحمة البلد اللي موقفة حالنا>>.

<< سلبية سياسية؟ إيه يا باشا الكلام الكبير ده بس؟ بقى أنا باقول أنت صحفي وهتحس بيا وتنشر حكايتي في الجورنال بتاعك تقوم رازعني كلمتين من الكلام المجعلص بتاع الصحفيين؟! وبعدين مين قال لك إني ما نزلتش أشارك في السياسة؟ من ساعة ما عملوا الاشتغالة بتاعة الاستفتاء على التعديل الدستوري اللي طلع مالوش أي تلاتين لازمة وأنا باشارك يا باشا.. روحت ساعتها وما بعتش دماغي لشوية الشيوخ اللي قالوا صوّت بنعم عشان تخش الجنة.. جنة إيه بس؟! إذا كانوا طلعوا قبل الثورة وقالوا حرام الخروج على الحاكم، وقلت خلينا ورا البرادعي وعمرو موسى، الناس دي فاهمة سياسة، وبرضه في الآخر إيه اللي حصل.. مفيش دستور جديد اتحط وإحنا اتحط علينا.. قلت وماله ونزلت في مجلس الشعب اخترت واحد مستقل ماعرفوش بس كان باين عليه طيب وابن حلال وعايز يخدم أهل الدايرة، وبرضه خسر.. اتحرق دمي وحلفت إني مش نازل في انتخابات مجلس الشورى>>

<< لا يا باشا انتخابات الرياسة دي حاجة تانية خالص، قلت لازم أشارك رغم إن معظم صحابي ع القهوة قالوا إنها متطبخة والفايز معروف وماحدش فيهم نزل، لكن قلت أعمل اللي عليّ وأنزل.. لا يا باشا ما انتخبتهوش.. ماكدبش عليك، كنت ناوي أنتخبه وقلت ده أكتر واحد فاهم سياسة، خصوصا إنه كان وزير خارجية وعارف المطبخ فيه إيه، وراجل ليه علاقاته بالرؤساء والملوك، بس لما شفته في المناظرة مع أبو الفتوح ما عجبنيش وحسيت إنى هاكل الأونطة.. لا يا باشا ولا أبو الفتوح! أنا إديت صوتى لحمدين صباحي رغم إني وعهد الله كنت عارف إنه هيخسر، بس بصراحة فاجأني بالأصوات اللي جابها دي كلها>>.

<< لأ ما انتخبتهمش في الإعادة.. خليك مكاني يا باشا.. مرسي ركز في وعوده على بتوع التوك توك، وشفيق قال إنه هيرفع ديون الفلاحين وبتوع التاكسي الأبيض اللي يا دوب جبته من هنا والثورة قامت من هنا، يبقى بالعقل أدي صوتي لمين؟ مش مهم المبادئ.. أنا أبيع نفسي عشان القسط.. ماحدش هينفعني لو اتحبست ولا هيصرف على عيالي.. القسط 800 جنيه مش عارفين نلمهم.. هع هع هع هع.. على رأيك يا باشا.. فعلا إحنا قلنا ربنا يولي من يصلح، وجه مرسي، يبقى أكيد كان هو الأصلح.. بصراحة عجبني لما طلع في التحرير وخلع الجاكيت وماخافش من الرصاص وقلت الراجل ده قلبه على البلد، بس هي فين بقى البلد؟ شوية زبالة مش عارفين نلمهم، ولو حد طلب مني أنزل ألمّ زبالة مش نازل؛ عشان أنا بادفع رسوم نظافة مع الكهربا اللي هي كمان بقت تقطع كل شوية، والشرطة ماحدش بيشوفها في الشارع، والمرور بقى زي الزفت، والعيال بتوع الميكروباص بقوا آخر بلطجة وقلة أدب، والعيش والعيشة بقوا الاتنين أصعب من بعض، لا ده بيتاكل ولا دي بتتعاش، والعيال الثوار اللي أهاليها متشحتفة عليهم في السجون والمعتقلات ومرسي وعد إنه هيخرّجهم لسه محبوسين، وحتى الوزارة اللي كان المفروض يشكلها تاني يوم ما كسب الانتخابات لغاية دلوقت مش عارفين لها أول من آخر>>.

<< معاك يا باشا إن كتير مش بيحبوه وعايزين يوقعوه.. ده كفاية الراجل اللي اسمه توفيق عكاشة اللي عامل غسيل مخ لنص البلد في شعب نصه لا بيقرا ولا يكتب، ده غير إخوانّا البعدا اللي بيعملوا ضده خطط كل شوية، بس فين دور مرسي بقى عشان ينقذ نفسه وينقذ البلد اللي بقت أمانة في رقبته؟ إنت كمان مش عارف يا باشا؟ هع هع هع هع.. يا نهار أسود يا جدعان.. الصحافة كمان مش عارفة؟ أومال مين اللي عارف يا باشا؟!>>.

<< أخيرا الحمد لله الإشارة فتحت.. بتقول رايح فين يا باشا؟ لا للأسف دي مش سكتى.. حسابي كام؟ حسابي يطلع حوالي.. يا نهار أزرق، تصدق نسيت أشغل العداد؟! انزل يا باشا احنا أصلا ما اتحركناش، وإذا كان على قعدتك معايا في التكييف في الشوية دول فكله بثوابه وآديك منورني.. حكايتي اللي كنت هاحكيهالك؟ هع هع هع.. انشر حكايتك أحسن يا باشا باين عليها أصعب.. بس ينفع تكتب في الجورنال بتاعك إن أنت كمان مش فاهم حاجة؟>>

الاثنين، ٣٠ يوليو ٢٠١٢

كلمة قبل ما أمشى

يا رب.. مش محتاج أجيب رقم موبايلك ولا أشترك فى صفحتك على الفيس بوك أو أعمل لك فولو فى تويتر.. أنت الموجود داخلنا، ويكتب فينا "الاستاتوس" بصوت الضمير فأرض عنى كما أنا راضٍ عنك

الخميس، ٢٦ يوليو ٢٠١٢

لمن يحمد الله على عدم إسلامه

لمن يحمد الله على عدم إسلامه



لا ذنب للإسلام فى جهل بعض أبناؤه وتطرفهم، فلكل دين أتباع من الجهلاء والمتطرفين، ومن سمع عن دينا تعتنقه الملائكة والصالحين من البشر فقط فليخبرنى!

لا ذنب للإسلام إذا ما تاجر بعضهم به.. فمن الطبيعى أن يتمسح "المفلسين" بتجارة الله أغلى تجارة، حتى يجذب الأنظار حوله ويتربح من رسالة عظيمة دون أن يفطن أنها ليست ملكه وحده حتى يبيع ويشترى فى الأخرين!

فى الماضى كان المسلمين سفراء لدينهم، يجسدون أخلاقه وتعاليمه فى تعاملاتهم وأخلاقهم، فيجذبون غير المسلمين إلى هذا الدين السمح، وحلق نبيه أعظم رجل فى التاريخ.

واليوم أقول لغير المسلمين أرجوكم لا تختصروا الإسلام فى تعاملات معظم المسلمين حولكم، فلو كانوا مسلمين بما تحمله الكلمة من معنى لما هان الإسلام بهذا الشكل، ولا ضعفت أمته، وقلت حيلته، وطمع فيه الطامعون بعد أن ساد العالم وامتدت حدوده فى الشرق والغرب وأعطى علومه وحضارته للبشرية وقت ان كانت أوربا تسبح فى ظلام العصور الوسطى!

بل خذوا الإسلام من سيرة المسلمين القدماء وتعاملاتهم المثالية المبهرة، وأذهبوا إلى العلماء المعتدلين ليشرحوا لكم الإسلام الحقيقى، فإن صعب عليكم الأمر فلتتابعوا مسلسل "الفاروق عمر بن الخطاب" لتعرفوا الإسلام على صورته السليمة العظيمة، غير هذا الإسلام الزائف الذى كرهتموه بسبب أفعال بعض أبنائه من الذين يقترفون أفعالا هو برىء منها، تجعلكم تحمدون الله على عدم إسلامكم!!

متى يدرك الجمهور أنه النجم الحقيقى لمسلسلات رمضان؟


متى يدرك الجمهور أنه النجم الحقيقى لمسلسلات رمضان؟



حوالى مليار و700 مليون جنيه هى قيمة ميزانية مسلسلات رمضان، التى ذهب أكثر من نصفها لجيوب النجوم، فهل تدرك أن الشخص الذى يدفع كل هذه الأجور هو أنت؟!

صحيح أن النجوم يأتون إليك فى بيتك مجانا، دون أن يتقاضوا "فيزيتا" كشف مثل الطبيب، أو "أوبـيـج" نظير المعاينة والتصليح مثل السباك والكهربائى، لكنك لو دققت فى النقاط التالية ستدرك أنك أول من يدفع فاتورتهم الباهظة:

1-  أنت الذى يدفع وقته "الثمين" أمام التلفاز لمتابعة كل هذا الكم الهائل من المسلسلات، ومع كل دقيقة تمضى فى متابعة مسلسل، تفقد 60 ثانية من عمرك كان فى إمكانك استغلالها فى إنجاز اشياء أخرى، خاصة أن كل الأمم المتقدمة تقول "Time is money" أو "الوقت هو النقود"، لكن فى حقيقة الأمر الوقت أغلى من النقود نفسها، إذ يمكن تعويض النقود مهما كانت، بينما لا توجد قوى فى الكون كله يمكنها أن تعيد إليك لحظة فاتت من عمرك بلا ثمن

2-  تتخلل مسلسلات رمضان فواصل إعلانية لا حصر لها عن ألاف السلع والمنتجات التى تقوم بعملية "غسيل مخ" لكل أفراد الأسرة فى شهر رمضان الكريم الذى حولناه بعاداتنا الدخيلة وسلوكياتنا الخاطئة لأكبر شهر استهلاكى على مدار أعوام السنة، وبدون نقودك التى تنفقها على شراء هذه السلع والمنتجات، ووقتك الذى تمنحه لمشاهدة نجوم كل دورهم أن يبقوك من خلال فنهم أمام التلفاز فى الفواصل الإعلانية لـ "مسمرتك" أمام كل هذا الكم الممل من الإعلانات، لما أصبح لهذه المسلسلات وهؤلاء النجوم أى ثمن يذكر!

3-  أى قمر صناعى يمكنه قياس عدد أجهزة "الريسيفر" الموجودة على كل تردد تابع لأى قناة، بمعنى أنك فى كل لحظة يمكنك معرفة عدد أجهزة "الريسيفر" التى تتابع القناة الفلانية الآن، وملاحظة المحتوى الذى تقدمه هذه القناة، وبالتالى معرفة أكثر المسلسلات التى تحقق اعلى نسبة مشاهدة، وبالتالى أكثر النجوم نجاحا، وبالتالى ضغطة واحدة على الريموت من المشاهد "اللى هو حضرتك" هى التى تحدد سعر النجم ومدى الإقبال الجماهيرى عليه

4-  موقع الـ"يوتيوب" وباقى المواقع التى ترفع مسلسلات رمضان على شبكة الإنترنت، ترصد نسب مشاهدة وتحميل كل حلقة، وبالمثل يترتب على ذلك معرفة أكثر المسلسلات مشاهدة، وأنجح النجوم فى جذب الجمهور "اللى هو حضراتكم"، لتحديد كم الإعلانات القادر كل نجم على جذبها لمسلسله، ومنها تحديد سعره فى السوق

5-  الدراما صناعة مثلها مثل باقى الصناعات، قائمة على تعدد السلع المتنافسة، ومن حقك أن تقاطع السلعة الرديئة التى لا تناسب الاستهلاك الأدمى، وتقدم للـ "زبون" الفائدة التى يبحث عنها، مما يزيد من قوة التنافس بين المنتجين للعمل على إرضائك وتحقيق كل أمالك وتوقعاتك فى هذه السلعة، بما يعود عليك فى النهاية بالنفع، بينما يتم اجتثاث باقى السلع المعيبة بعيوب التصنيع من جذورها وإلغائها من قائمة الطلبات.

أنت إذن النجم "الأصلى"، الذى صنع كل هؤلاء النجوم "التقليد" بعمره وماله، وحالما انتبهت لذلك ستدرك أنهم هم الذين يدورون فى فلكك، حتى يأفل نجمهم ويخبو بريقه، ليرحلون ويأتى غيرهم.

أنت أصل الأشياء، وهم التوابع الذين جاءوا من أجلك، وبدونك يصبحون صفر على الشمال، فلا تفرط فى وقتك أو تتفنن فى إضاعته أمام كل من هب ودب، ثم تندب وتتحسر على حظك العاثر فى بلد ظالم يمنح ملياراته وملايينه لوسط فنى تصفه بأقظع الأوصاف، ثم تستعبد نفسك أمام أعماله الفنية وتجلس أمامها مسلوب الإرادة صانعا بعبوديتك ثمنا لكل هؤلاء.

وفى النهاية ليس العيب على نجم يتقاضى 10، أو 20، أو 30 مليون جنيه طالما أنه يعرف أن المنتج الذى سيدفع له كل هذا المبلغ سيجنى من ورائه أضعافا مضاعفة من المكاسب والأرباح التى تأتى من قنوات تدفع ثمنها من إعلانات تروج لسلع وخدمات أنت الذى يدفع ثمنها من جيبه فى النهاية، وإنما العيب كل العيب على مشاهد يتابع أعمالا هابطة لنجوم من ورق، ثم يحقد على عيشتهم وأجورهم "المليونية" التى حصلوا عليها من خلاله، دون أن يدرك أنه النجم الحقيقى فى مسلسل الحياة، وباقى الفنانين هم المشاهدين!

الأحد، ٢٢ يوليو ٢٠١٢

لهذه الأسباب أقول رحمة الله على عمر سليمان!!

لهذه الأسباب أقول رحمة الله على عمر سليمان

عندما حضرت الحجاج بن يوسف الثقفي الوفاة، وهو أشهر طغاة التاريخ الإسلامى، وقاذف الكعبة المكرمة بالمنجنيق – حسب بعض الروايات - وقاتل ومعذب المؤمنين المعارضين وعلى رأسهم عبدالله بن الزبير، بالإضافة إ
لى قتل 120 ألف قتيل، ورغم ذلك أوصى عند وفاته أن يعلم الناس أنهُ يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وقال: "يارب أغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل"، وتمثل عند احتضاره بهذين البيتين:

يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويحهم ما ظنهم بعظيم العفو غفار

فلما وصلت آخر كلماته إلى عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين، وأكثر الرموز الإسلامية عدلا وورعا وإيمانا، أبدى عمر بن عبدالعزيز دهشته وقال أن الله تعالى قد يتقبل منه، رغم أن هناك رواية قد نسبت لعمر بن عبدالعزيز قال فيها :" لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم" ورغم ذلك لم يستنكر عمر أن تدرك رحمة الله الحجاج بن يوسف الثقفى رغم الخصومة الشديدة بينهما، لأن الحساب عند الله وحده.

ورغم العداوة الشديدة أيضا بين الإمام الحسن البصرى أحد أشهر الأئمة التابعين، وبين الحجاج حتى أن البصرى قال عنه ذات يوم: "إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، و لكن عليكم بالاستكانة والتضرع"، إلا أن الحسن البصرى قد غضب غضبا شديدا حين سب أحد تلامذته الحجاج بعد وفاته، وقال له البصرى: "يا ابن أخي فقد مضى الحجاج إلى ربه ، و إنك حين تقدم على الله ستجد إن أحقر ذنبٍ ارتكبته في الدنيا أشد على نفسك من أعظم ذنبٍ اجترحه الحجاج ، و لكل منكما يومئذٍ شأن يغنيه ، و اعلم يا ابن أخي أن الله عز وجل سوف يقتص من الحجاج لمن ظلمهم ، كما سيقتص للحجاج ممن ظلموه فلا تشغلن نفسك بعد اليوم بسب أحد".

والآن فى ظل ما سبق، تعالوا نعيد قراءة المشهد الحالى لوفاة اللواء عمر سليمان، ورفض البعض للترحم عليه أو المشاركة فى صلاة الجنازة على جثمانه، بإعتباره كان طاغية وقاتلا وحليفا لليهود وغيرها من الأوصاف والاتهامات:

1- معظم الشبهات التى تحوم حول الرجل، مبنية على الظن، وأعترف أن بعضها يستريح له العقل خاصة فيما يتعلق بموقعة الجمل، وتصريحاته المستفزة حين ترشح لرئاسة الجمهورية مؤكدا أنه قبل دعوات المواطنين له للترشح حتى ينزع "العمامة" عن مصر، لكن فى النهاية فإن أغلب هذه الظنون غير مؤكد بأدلة دامغة تقطع الشك باليقين، ولا تنسوا أيضاً طبيعة عمل المخابرات السرية، وألاف التفاصيل والصفقات التى تحدث فى هذا العالم دون أن تصل إلى إدراكنا أو نحيط بها علما، وربما لو أطلعنا عليها لتغيرت الصورة 180 درجة .

2- لو صحت كل الاتهامات الموجهة لعمر سليمان، فليس من حقنا أيضا أن نفتى بعدم جواز الصلاة عليه أو عدم الترحم على روحه، بإعتباره متوفيا مسلما صار الآن فى ذمة الله الحكم العدل، المسئول وحده على حساب المخلوقات والوحيد القادر على النظر فى ضمائرهم ونواياهم ليحكم حكما عادلا وقاطعا فيما نحن فيه مختلفون، دون الحاجة لتأجيل ونقض واستئناف وطعن، ومن لا يستطع أن يترحم فعلى الأقل يمكنه ان يقول "عليه من الله ما يستحق"، دون سبه ولعنه وهو فى ذمة الله، فكيف يتأله البعض وينازع الله فى حكمه وحسابه، فيدخل هذا الجنة، ويلقى هذا فى النار؟!

3- إذا كنا نتجادل فى متوفى غادر دنيانا وذهب إلى دار الحق، فلازالت الدنيا ممتدة بنا ولا أحد فينا يجروء على التنبوء بخاتمته، وكم من طاغية هداه الله فلم يقبضه إلا وهو من المؤمنين الموعودين، وكم من مؤمن ورع عالم فى الدين أضله الله فأصبح مثل الكلب يلهث ومات على الكفر والضلال مع الملعونين، ولنتذكر دعاء الرسول الكريم حين قال: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك".

4- من استطاع أن يحصر خطايا عمر سليمان، هل يستطيع أن يحصر إيجابياته التى تظل طى الكتمان فى عالم المخابرات الذى يموت رجاله ومعهم اسرارهم دون أن يحظوا بالشهرة على إنجازاتهم الخفية؟ هل يستطيع ان يحصر عدد الخيرات التى قام بها من تبرع وصدقات وغيرها من المحاسن التى لا يعلمها إلا الله؟

ليس الأمر دفاعا عن عمر سليمان، بقدر ما هو دفاعا عن إنسانيتنا، ورحمة قلوبنا، وصفاء ضمائرنا، فى وقت عصيب ضربت فيه موجات الكراهية والغل والضغينة كافة أرجاء المجتمع لتصيبه بالجنون!

ومثلما اعترضت على ترشيح عمر سليمان لرئاسة الجمهورية وهو على قيد الحياة، وهتفت ضده فى الميدان خلال الثمانية عشر يوما فى ثورة 25 يناير، ومثلما أترحم فى صلاتى ودعائى على جميع موتانا الذين أعرفهم ولا أعرفهم، من الأهل والأصدقاء والشهداء، فلن استثنى من دعائى عمر سليمان بعد أن توفاه الله، أو أضعه فى خانة قد أشاركه فيها يوما، أو استبعده من رحمة لا أملك أن أعطيها أو أمنعها، فاللهم أرحم الجميع برحمتك بحق شهرك الكريم المبارك، ومنهم عبدك عمر سليمان، ولتحاسبنا كما ترى فأنت وحدك الإله، ونحن العبيد.