" تشترى الموت بكام؟"
فلكل شيء ثمن فى عصر الحكومة الذكية،وأزهى عصور الديموقراطية،وحزب الأغلبية
الذى أنبأنا مؤخراً أن "مصر بتتقدم بينا" بس إحنا مش حاسين..حتى الموت نفسه
أصبح له ثمن غالى،يدفعه الأغنياء،والفقراء،والطبقة المتوسطة المحشورة بينهما وفى
طريقها للإنقراض.
لكل موتة ثمنها،وفاتورتها التى نسددها لمنافذ البيع الخاصة بها،ومندوبى عزرائيل الذين
يحصلونها منا،والأغرب أنهم مثل باقى الموظفين،فى نفس إتباع الروتين الممل،وطوابير
المواطنين المتكدسة،و"فوت علينا بكرة" و"خش فى الصف يا محترم"!!
فلو أخترت الموت شرباً فكل ما عليك فتح صنبور الحنفية،وملأ الكوب بماؤه
الملوث،الغنى بالبكتيريا،والطفيليات،وبقايا المخلفات التى ألقاها الشعب المتحضر فى
نيله العظيم،ورواسب الكلور،والمنظفات التى تكمل بها الحكومة على ما تبقى من
أكبادنا،وأمعائنا،و"كلاوينا" لينتشر الفشل الكلوى،بشكل ملحوظ،ومعدلات تتصاعد يوما
بعد يوم فى دفاتر مستشفيات،ومعاهد الفشل الكلوى،وفى نهاية الشهر عليك إنتظار
مندوب عزرائيل الذى سيأتيك بكل أدب،وإحترام،وعلى وجهه إبتسامة ودودة ليُحصِل منك
فاتورة استهلاك الموت،المسماة مجازاً بفاتورة المياه،لتسدد أنت بدورك الفاتورة،دون أن
تجروء على المناقشة،أو الإعتراض.
ولو أردت الموت أكلاً فكل ما عليك شراء طعامك اليومى من الخضروات،والفاكهة،
المليئة بالأسمدة منتهية الصلاحية،والمبيدات التى إن لم تكن مسرطنة،فعلى الأقل غير
صالحة للإستهلاك الأدمى،وبكل رشاقة تطلب من مندوب عزرائيل،أقصد البائع ،أن يزن
لك 3 كيلو موت لطهيه مع الرز،و 2 كيلو موت لزوم التحلية بعد الأكل،وأنت تهتف به
بكل حزم،وصرامة "ما تخمش فى الميزان..أنا شايفك كويس"
وإذا أردت الموت السياحى،فعليك التوجه لأقرب محطة قطار،وقطع تذكرة موت
سياحية،درجة أولى،أو ثانية،أو حتى ثالثة،وكله بثمنه،والموت درجات،وأنت
وقيمتك،ونزاهتك فى الموت عزيزى المواطن،والموظف فى إنتظار نقودك،والتذكرة
تضمن لك نصيبك فى موتة معتبرة،محجوزة باسمك وحدك على مقعد خاص بك فى عربة
مكيفة،أو وسط عشرات البسطاء فى عربة غير مكيفة ذات مقاعد متهالكة يجلس عليها
"اللى يلحق".
أما الموت الدينى،فله أيضاً وسائله المخصوصة،ومحصليه الشطار،وتجاره الذين
يكسبون من ورائك أموال باهظة،وتكسب أنت من ورائهم "الشهادة فى سبيل الله"
ويكسب الورثة من كلاكما التعويضات..فهل لم تفهم بعد أنى أقصد السفر بحراً فى
عبارات الموت لقضاء الحج،أو العمرة ؟!
وكعادة كل الحكومات التى يأكلها قلبها الرهيف على شعبها المسكين فقد أدركت حكومة عزرائيل مدى معاناة محدودى الدخل فى دفع فواتير الموت،ورغبة الفقراء،والمطحونين فى الحصول على حصتهم المقررة فى الموت الإختيارى،فأخضعت الموت نفسه للدعم،وتحملت قدراً كبيراً للمساهمة فى موت الألاف مجاناً دون أن يتحملوا ما لا طاقة لهم به أمام مندوبى الموت،وفتحت صدور،ورئات الملايين أمام دخان السحابة السوداء الذى يزور بيوت الفقراء،ومحدودى الدخل بالعاصمة وما فيها، من عشوائيات،وما يجاورها من أطراف منسية لا يعرف أحد عن قاطنيها شيئاً،لتلتهم الأدخنة،وحبات الهواء الملوثة بالسواد،وغازاته المحملة بالسموم،والهلاك ما تبقى من صحتهم،التى صمدت أمام كل ما حولها من تلوث،وفقر،وجوع،ومرض،ليموتوا فى صمت مدعم من "فوق" دون أن يزعجهم مندوبى عزرائيل،أو يهددوهم " يالدفع يا الحبس" !!
حتى أولئك الشباب الذين تمردوا على الموت المحدق بهم من كل صوب،وجانب،ولاقوا ما كفاهم من يأس،وبطالة،وعجز،وفقر،ومرض،وضعف،وذل،وهوان على الناس،وقلة حيلة..
حتى أولئك الشباب الذين مزق صبرهم نظرات الإنكسار فى أعين أهاليهم الذين عقدوا عليهم أمال كثيرة فى تعويضهم عن الحرمان،ورفع رؤوسهم بعد كل سنوات الضنك،والتحمل،من أجل منحهم شهادات عليا من المفترض أن تحسن من أوضاعهم..
حتى أولئك الشباب الذين ضاعت منهم الحبيبة،التى أقتنصها عجوز فى سن والدها لمجرد أنه يملك الشقة،والشبكة..
حتى أولئك الشباب الذين باعوا ما أمامهم،وما خلفهم،وأقترضوا الباقى،ممن حولهم، وباعوا ملابسهم نفسها ،وتسولوا الباقى ليسددوا فاتورة الهجرة غير الشرعية،وأتجهوا إلى ليبيا،ليركبوا زوارق الموت،متجهين إلى إيطاليا أرض الأحلام التى ستعوضهم عن كل ما فاتهم،وتمنحهم ما لم تطله أياديهم العاجزة من حكومة الموت،وغامروا بحياتهم نفسها وراهنوا بأعمارهم التى لا يملكون سواها على تجربة طالما خاضها قبلهم الكثيرون وفشل معظمهم ولم ينجح منهم سوى قلة قليلة،فأكتفوا بالنظر إلى القلة القليلة،ولم يأبوا ولم يعتبروا بالنهايات السوداوية التى أنتهى إليها الأخرون،ربما لأن أى نهاية سوداوية لن تصل إلى قتامة أكثر من التى وصلوا إليها فى أوطانهم،ورغم كل ذلك لم تتعاطف معهم موجات البحر العاتية،التى شطرت زوارقهم البحرية التى استقلوها إلى المجهول نصفين،لينتهى بهم المقام فى بطون الأسماك دون حتى أن تدفن أجسادهم المنهوكة بالفقر،والضعف،فى قبور ذات شواهد تحمل اسمائهم ليهتدى إليها ذويهم ليقرأوا الفاتحة على أرواحهم.
كلا ..فأنا لا أقصد فقط 22 شابا مصريا لقوا مصرعهم غرقا مؤخراً، وإنقاذ37 آخرين، بينما لايزال125 في عداد المفقودين، إثر غرق مركبين في مياه البحر المتوسط كانا يقلان184 شابا في رحلة استهدفت هجرة غير شرعية إلي إيطاليا..بل أقصد عشرات الرحلات التى أبتلعت خيرة شبابنا من مختلف قرى،ونجوع مصر،وتعامل أهاليهم مع تلك المخاطرة بإعتبارها شيء روتينى،حتى أن هناك فى القرى،والنجوع من يطلب مهر أبنته فيزا إلى إيطاليا،حيث من المفترض أن يهاجر الشاب هجرة غير شرعية،ويصل بأعجوبة إلى الشواطيء الإيطالية،ويدخل البلد،ويقيم فيها لفترة،ثم يتعاقد مع صاحب أى محل أو شركة للعمل فى أى مهنة،ويحصل على الفيزا الشرعية بموجب عقد العمل،بعد أن يسدد الغرامة،ويعود لبلده واضعاً قدم على قدم،حيث ينحنى له الجميع،وتتهافت عليه البنات بعد أن عدى حاجز الفقر،وضمن مستقبله.
حتى الذين فقدوا أبنا لهم فى مغامرة غير مشروعة بهجرة غير شرعية،لا يتوروعون فى مساعدة أبنهم الأخر ويقترضون من اجله،ليعاود التجربة،وفى أنفسهم اليقين أن ربنا هيعوض عليهم!!
أهكذا وصل اليأس بالمصريين؟أهكذا استرخصنا حياتنا بعد أن وجدنا أنفسنا نسدد فواتير الموت بشتى انواعها،وأشكالها المختلفة يوماً بعد يوم؟
وفى النهاية،دعونى أتسائل " هل أولئك الشباب الذين استقلوا زورق بخارى،من ليبيا،وظل بهم فى البحر لمدة ثلاثة أيام،حتى وصل بهم فى النهاية إلى قرب الشواطىء وأمرهم قائد الزورق بالقفز من الزورق والسباحة حتى الشواطيء الإيطالية،وبعد أن نفذوا أمره،وصارعوا الأمواج،وجدوا أنفسهم فى النهاية فى شاطيء العجمى،وسط سخرية الجميع من عملية النصب التى تعرضوا لها..هل هؤلاء محظوظين بنجاتهم من الموت والدفن فى بطن السمك،أم تعيسى الحظ بالعودة مرة أخرى لسداد فواتير الموت التى يسددها المصريين يوميا لمندوبى عزرائيل؟"
وبمناسبة إختفائى لفترة طويلة دعونى استكمل كلامى بعمود جديد أنوى نشره من فترة لأخرى بعنوان البجح مع الاحتفاظ بنسب الصورة لصديقى الموهوب رسام الكاريكياتير الواعد عبد الرحمن ابو بكر
أخبار البجح
"الحقيقة كاملة وبدون مجاملة من قاع المجتمع.."مش هتقدر تسد ودانك"
* سؤال نفسى أسأله لهيفاء وهبى.. بيقولوا إن فى المطار أجهزة كشف عن "الصواريخ" بتزمر على طول أول مايعدى من تحتها أى صاروخ،أو قنبلة " يا ترى أنتى بتعدى من غير ما تذمرى ازاى بالأسلحة اللى أنتى شايلاها دى يا هفهوفا ؟ "
* شلة شباب صحفيين تحت التمرين فى أحدى الصحف القومية قال لهم رئيسهم : أوعوا تسمعوا كلام الصحفيين المعارضين اللى بينقدوا دعوة شيخ الأزهر بضرورة جلد "مروجى الإشاعات" 80 جلدة،وفسروها على مزاجهم إنها دعوة موجهة ضد الصحفيين تحديداً لإرهابهم،شيخ الأزهر يا جماعة بيحارب مروجى الإشاعات بصفة عامة، ومايقصدش الصحفيين بس، فسأله واحد من الشلة : يعنى شيخ الأزهر يقصد كمان جلد الوزرا والمسئولين ورؤساء التحرير اللى بيروجوا إشاعات وردية يضحكوا بيها ع الشعب؟ ومن ساعتها والمحرر الغلبان ياعينى بيدور على شغل فى الصحف المعارضة..تفتكروا رئيسه رد عليه بأيه؟ الإجابة مش هينفع أنشرها عشان ماعنديش أستعداد أتجلد 80 جلدة .
* صدمة كبيرة أصابت العديد من البنات اللى عايزين يبانوا أستايل،وروشين رغم إنتمائتهم للمناطق الشعبية، ،كل بنت نزلت العتبة،والموسكى عشان تجيب كام طقم روش ورخيص فى نفس الوقت،أكتشفت إن أسعار الملابس الحريمى فى العتبة بقت نار،وما تفرقش عن أسعار محلات مدينة نصر،والمهندسين..مفيش أحسن من العبايات،ومن فات قديمه تاه يا موزز.
* بعد خسارة منتخبنا الوطنى ربنا يديله الصحة،من منتخب اليابان 4/1 ،لازال العديد من المصريون يتسائلون بعد كل هذه المدة " لما اليابانيين عنيهم ضيقة ،وعملوا فينا كده،أومال لو كانوا مفتحين شوية كانوا عملوا فينا أيه؟"
* بمناسبة خسارة الأهلى من النجم الساحلى..أقترح عدد كبير من الزملكاوية
والإسماعلاوية بتشجيع النجم على طول الخط لعل وعسى أن يعوضهم عن حالات ضغط الدم التى يصابوا بها فى كل موسم يكتسح فيه الأهلى الدورى والكأس
* بمناسبة التهانى اللى ع الفاضية والمليانة فى صفحات الجرايد والمجلات القومية للى يسوى،واللى ما يسواش ،أحب أعزى "هيثم بن عبد الجبار " اللى كان ماشى مع الضرايب مشى بطال،ونسى "إن الضرايب مصلحته أولاً " وبهذه المناسبة أنصحه،يتعلم التهرب من الجرايد المرة الجاية من بعض السادة الفنانين،والفنانات، ورؤساء تحرير الصحف القومية السابقين،واهو كله بثوابه،وسلم لى ع الحكومة .
البجح شريف عبد الهادى
shiko_angel@yahoo.com shiko_4u@hotmail.com