مجموعة قصص قصيرة (جداً) عن ( الأفراح ) والليالى الملاح1 معـــازيــمأنطلقت أبواق ( الكلاكسات ) بنغمة الفرح الشهيرة في تتابع مستمر غير متناغم تداخلت فيه الأصوات محدثة جلبة وضوضاء عارمة في أحد الشوارع الرئيسية الذي شهد سرباً من العديد من السيارات بمختلف أنواعها وقد التفت حول سيارة فخمة للغاية مليئة بالزهور الرقيقة يجلس بداخلها عريس وعروس في إنسجام رومانسي وقد حملت عيناهما كل مشاعر الحب والحنان في حين احتضن كفيهما في التصاق طالما اقسما أنه سيكون أبدي, وفي غمرة النغمة الشهيرة الصادرة من كلاكسات سيارات الأهل والأقارب والأصدقاء, تحمست أيدي العديد من قائدي السيارات التي لا تمت لموكب الفرح بصلة, ورغم ذلك شاركوا الموكب في إصدار نفس صوت النغمة الشهيرة مشاركين في الاحتفال بزفاف قلبين جديدين في عالم الحب, وفي فرحة عارمة التقت عين العروس بعين العريس قائلة له وقد شعرت أن روحها غادرت السيارة إلي السماء في صعود إلي عالم الفردوس" أنظر يا حبيبي..حتي الغرباء يشاركوننا الفرحة ويحتفلوا بزفافنا دون دعوة.. لقد شاركنا الرب في إلقاء تحياته وبركاته علي قلبينا هذه الليلة"
ثم أنهمرت دموعها ببطء شديد وقد أمتزجت بذلك المكياج اللامع علي عينيها فبدت حبات من اللؤلؤ سرعان ما امتدت يد العريس لالتقاطها قبل أن يضمها في رفق هامساً في أذنها " دموع الملائكة هذه لن يفهمها البشر الملتفين حول السيارة الآن..لا تدعي أحد يظن أنها دموع خلاف أو تشاجر..فالشامتين كثير" ثم غمز لها بعينه بمرح قائلاً " لقد وصلنا يا حبيبتي..هيا استعدي وأمنحي الجميع أحلي ابتسماتك وأجعليهم يشعروا أننا أسعد زوجان علي وجه الأرض" ثم أمسك يدها مشجعاً إياها وكلماته تزداد حماساً قائلاً " أمامنا الكثير من الرقص والحركة" وما أن خرج كلاهما حتي أرتفعت أصوات المزمار البلدي الشهيرة ممتزجة بأصوات الزغاريد التي جاءت من كل الحلوق وقد أتسعت الأفواه في منظر بهيج تلاقت فيه العيون , وتصافحت الأيادي, وأنهمرت القبلات من وإلي وعلي الجميع, وعندما ركزت عين العريس علي عروسته الجميلة التي بدت في ثوبها العاري حورية هبطت من السماء لتنير الأرض بعينيها وتنشر النسيم العطر المحمل بعبقها كانت حفنة من المشاعر المتناقضة ترتسم بكل معانيها في كافة العيون..
في هذا الشاب الوسيم صديق العريس الذي تعلقت عينيه علي العروس دون حتي أن يرمش جفنيه,وكأنه ينهل من جسدها وجمالها ويعبيء عروقه وأوردته.. في عيني ابنة خالة العروسة التي راحت تتأمل العريس في تحسر علي حظها العاثر الذي لم يرزقها بزوج مثله.. في عيني ابن عم العريس الذي ظل ينظر إلي ابنة عمة العروس بإعجاب شديد منتهزاً أي فرصة في الرقص مصطدماً بها ثم يعقب التخبط الرقيق بغمزة من عينيه..في عيني ذلك المراهق ابن صديقة والدة العريس الذي استطاع أن يأخذ رقم محمول تلك المراهقة التي امتلأ وجهها بالمكياج ابنة صديق والد العروس..وعندما ازداد الحماس في الرقص واندفعت معه الأجساد في حالة لا وعي من الحركة والتخبط أزدات الفرحة أكثر في كل العيون مع تلك الأجساد التي سقطت من عليها الأوشحة, وكشفت فساتين السهرة أكثر ما تستر
ومن بعيد راحت شلة من الشباب يتهامسون في خبث وأحدهم يقول في لهجة ذئب مفترس " أنظروا يا شباب هذه البنت (الجامدة) إنها بالفعل صاروخ بكل المقاييس " بينما يقول آخر وقد سلط نظره كله علي جزء معين في جسد أحد الفتايات " بل أنظروا إلي تلك القنبلة التي جاءت تطل فغطت علي الكل..إنها فينوس الفرح يا جماعة" وحين ألتقطت أذن أحدي الفتايات تلك الجملة التي جاءت بشكل فج وصوت عال وجدت نفسها تبذل أقصي ما لديها من طاقة فرغتها في الرقص والضحكات المجلجلة للفت أنظار الشباب تجاهها .. بينما كانت هناك شلة أخري من بعض جيران العريس والعروس لا يعرفوا بعضهم البعض لكنهم اشتركوا في النظر تجاه هدف واحد غير معلن, وقد ترقب كل منهم موعد الأقتراب منه..
البوفيه..
وانتهت الليلة والسعادة ترتسم بكل معانيها علي وجه الجميع باختلاف الأسباب وتوحد الدعوة التي دعوها جميعاً بصوت عال..
اللهم أكثر من الأفراح.
2دعوة مستجابة
ألتفت عيون معازيم فرح ( شادي ) و ( ريهام ) حول تلك الزفة الأنيقة لفرح (أمجد) و( شيماء ) وتابعونها بشغف وترقب بالرغم من أنهما لا يمتون إليهما بصلة إنتظاراً لنهايتها حتي تبدأ زفة (شادي) و(ريهام) في نفس الدار وفي شيء من المجاملة راح معازيم الفرحين يهنئون بعضهم البعض متباديلن كلمتين لا تتغيران ( ألف مبروك) و (ربنا يتمم بخير) وما أن أنتهت زفة (أمجد) و (شيماء) ودخلا قاعتيهما حتي جاء دور الزفاف - بتفاصيل مشابهة للزفة السابقة- علي (شادي) و(ريهام) لتنتهي بعد طول زغاريد وطبل وزمر زفتيهما ثم يدخلا بالمثل قاعتيهما..
وبعد وصلة من الرقص وكلمات الحب والتهنئة والقفشات المرحة أحياناً والسمجة أحيان أخري مرت الليلتان بسلام ليتزامن خروج كلا العروسين, وملحوظة كبيرة تلفت أنظار معازيم كلا الفرحين..لقد احتل الحزن ملامح (شادي) رغماً عنه وهو يبذل مجهود بدا واضحاً لمن حوله لإصطناع البسمة وهو يتأبط (ريهام) ودعوات الجميع بالرفاء والبنين تنهال علي مسامعيهما, في حين أثبتت (شيماء) إفتقارها التام لموهبة التمثيل حينما أرادت تمثيل دور العروس السعيدة و(شادى) يقبلها أمام الجميع في نهاية الحفل..
وفي غمار كواليس النميمة وال(وشوشة) التي تتناقل بين ألسنة المدعوين, فجأة ألتقت عيني (شادي) و(شيماء) وكل منهما يتأبط ذراع نصفه الأخر في تداخل بين زفتي نهاية الحفل اختلط خلاله المعازيم وفرقـتي الموسيقي, في صدفة غير مقصودة رتبها القدر..
وفي غمار ضحكات وقفشات المعازيم الذين وجدوا أنفسهم وسط فرحين في وقت واحد فأخذوا يصفقوا بالجملة لكلا العروسين, والضحكات تتردد علي هذا الموقف الطريف, وفي لافتة إنسانية نبيلة تبادل خلالها أهلى (شادي) و(ريهام) التهنئة مع أهلى (أمجد) و(شيماء) وتراقص المعازيم في بهجة وفرح كأنهم جميعا مدعوين فى فرح واحد, وسط كل هذا ظلت نظرات (شادي) و(شيماء) تحمل كل عبارات الدهشة والوجوم في حين تتسع عينيهما أكثر وأكثر وقد أنكرّت بكرة الذكريات وأنفرط عقد الحب الأول وراحت حباته تتساقط علي الأرض بين أقدام المعازيم وشريط يحمل كل أحداث الماضي راح يعمل في سرعة شديدة عارضاً كل سنوات الماضي بحلوه ومره في لحظات خاطفة أمتزجت فيها أمام عيني (شادي) و(شيماء) ضحكاتهم ودموعهم.. أحضانهم وفراقهم.. اللقاء والهجر.. العشق والعتاب..لكن ثمة مشهد واحد توقف عنده الشريط عاجزاً عن استكمال الدوران ليتوقف الكادر علي رجل عجوز تدلت تجاعيد وجهه في مشهد مثير ومعبر غاية التعبير عن أرذل العمر..رجل ذاع صيته بين أهل الحي بأنه مكشوف عنه الحجاب.. ذهبا إليه ذات يوم سوياً وقد تأبط كل منهما الأخر في جرأة مذهلة وهما اللذان تعودا علي اللقاء في السر بعيداً عن أعين الأهل والجيران,لكن من يبالي بكل هذا وهما ذاهبان إلي هذا الرجل المبارك مجاب الدعوة كما يؤكد الجميع , حتي أن شهرته فاقت نطاق سكنه لتنتشر خارج الحي ليجد الكهل العجوز نفسه مقصد المئات الذين يأتونه من كل حدب وصوب طالبين دعوته,غير أنه لم يكن يدعو سوي لأشخاص معينين وفق معيار خفي لم يستطع أحد تحديده, لكن كليهما (شادي) و(شيماء) كانا علي يقين أنه سيدعو لهما..لأن قلبيهما – كما كانا يشعران دائماً - قلبا ملاكين حتما سيجدا الطريق إلي الجنة رغماً عن أنوف البشر..وصلا إلي منزله البسيط.. دخلا عليه..قصا حكايتهما..نظر إليهما بعينين مغمضتين رغما عنه إذ سقط جفنيه عليهما كأم تحضن صغارها..سمة ابتسامة لم يفهما كنهها ترتسم علي شفتيه..يدعو لهما تلك الدعوة التي يشعران الآن أنها تتردد بقوة علي مسامع المعازيم " اللهم أجمعهما في ليلة فرح واحدة ثم أطب قلبيهما بالبهجة والسعادة"..خرجا من عنده وقد نبتت لهما أجنحة فراحا يرفرفان بسعادة فى سماء العشاق..توالت الظروف الصعبة والاختلاف في وجهات النظر ..ازدادت الفجوة بينهما وباتت هوة عميقة لم يجسر أحدهما علي القفز عبرها إلي الجانب الأخر..أنفصلا بكل أسف..ذهبا إلي الرجل يوم الوداع ليفسر لهما ما حدث..مات الرجل..لكن دعوته ظلت لغزاً رهيبا حاولا حله عبثاً قبل أن تأخذهما الأيام وتمحو مشاغل الحياة وسنة النسيان ما تبقي من مشاعر مرهفة وعواطف جياشة..أرتبط (شادي) ب(ريهام) ابنة خالته بعد إلحاح من والدته, بينما لم تجد (شيماء) ما يمنع من زواجها من (أمجد) زميلها في العمل رغم أنها لا تشعر به سوي أخ لها, لكنها لا تضمن أنها ستجد في مثل أخلاقه وإماكنياته إذا ما رفضته..واليوم,ها هما يجتمعان في ليلة فرح واحدة لكن ذراع كليهما وجد طرفاً أخر يتأبطه..أقتربا وسط تصفيق الجميع ..أمسكت يد (شادي) بيد (أمجد), وبالمثل (شيماء) و(ريهام) هاهم يصنعوا دائرة والمعازيم تدور حولها..هاهم يتراقصون في مرح..(أمجد) يهنيء (شادي) و(ريهام)..(شادي) يهنيء (أمجد) ثم يقترب من (ريهام) هامساً " اللهم أجمعهما في ليلة فرح واحدة" (شيماء) تبادله الهمس" ثم أطب قلبيهما بالبهجة والسعادة" (أمجد) يسمع الجملة فيقول بعفوية "لقد أجيبت الدعوة" ثم تعقب (ريهام) برقة " وهل هناك إجابة أفضل مما نحن فيه" ثم يردد المعازيم في حبور..
" اللهم أكثر من الأفراح "
3
هدية عزرائيل
حينما حاولت أمها أن تزغرد فعجزت أنفاسها الضعيفة المتقطعة أن تحمل صوت الزغرودة كان ذلك بمثابة الضوء الأخضر لعيني العروس (نادية) ابنة العشرين ربيعاً في إطلاق العنان لدموعها التي نزلت بطيئة ساخنة علي وجنتيها, حاملة كل معاني القهر والذل والحسرة علي ما آل إليه الحال بعد وفاة والدها,لتشاركها والدتها وشقيقتها الصغري نفس الدموع,بينما أمسك شقيقها الصغير شمعة وقد أعتلت وجهه ابتسامة بريئة لا يمكن أن تصدر سوي عن طفل صغير لا يدري عما يحدث شيئاً.. في حين جلجلت ضحكة مدوية من حلق الثري العربي البالغ من العمر 69 عاماً رغم سوء ما آل إليه الحال أيضاً بعد وفاة ابنه الأكبر بمرض السرطان !!
الزوج يصطحب (نادية) إلي المطار حيث موعد لسفر إلي بلاده وفي الطريق أنهمرت الذكريات..
تذكرت (نادية) مرض والدها الأخير الذي أتي علي كل مايملكه من حطام الدنيا الهزيل..تذكر الثري العربي مشاكله العديدة مع زوجاته الثلاث السابقات اللاتي أتهمنه بالبخل والشح..
شقيق (نادية) الصغير الذي ولد في سنوات والدها الأخيرة يحتاج إلي مصاريف المدرسة التي سيلتحق بها لأول مرة وما يستلزم من مصروفات جديدة جدت علي الأسرة البائسة..
ابنة الثري العربي تحتاج إلي تجهيزات الأثاث ومستلزمات المطبخ والأجهزة الكهربائية قبل زواجها من شاب فقير لرفض الكثير الارتباط بها بسبب والدها لكن والدها يراوغ..
والدة (نادية) تفاجأ بمرضها بالفشل الكلوي الذي يحتاج علي الأقل تكلفة شهرية 3 ألاف جنيه..الثري العربي يطلق أخر زوجاته لتلحق بطليقتيه السابقتين لأنه أراد الزواج من أخري أصغر وأجمل.. شقيقة(نادية) الصغري مهددة بالطرد من المعهد الخاص الذي تدرس به ولم تدفع مصاريفه الباهظة.. سمسار زواج من الأثرياء العرب يعرض علي (نادية) الزواج من ذلك الثري العربي الذي سيحل كل مشكلاتها هي وأسرتها..لم يمضي علي وفاة ابن الثري العربي سوي شهر ومع ذلك يبحث عن زوجة جديدة قائلاً أن الأعمار بيد الله..لم يمضي علي وفاة والد (نادية) سوي ثلاثة أشهر ومازالت ترتدي الأسود في حداد وحزن عميق وسط لطمات الحياة..(نادية) توافق علي الزواج بشرط وديعة بنكية بمبلغ محترم يكفل لأسرتها العيش في أمان..الزوج يوافق بشرط أن تذهب معه إلي بلاده دون أن تسأله عن موعد العودة..دموع تنهمر..ضحكات تجلجل.. الثري العربي يصطحب (نادية) في سيارة فخمة إلي المطار, وفي الطريق تنقلب السيارة في حادث بشع يقضي علي كل من بداخلها, وقد ارتسمت علي ملامح الجثث أعتي علامات الفزع باستثناء (نادية) التي ارتسمت أجمل وأرق ابتساماتها علي الأطلاق علي شفتيها الصغيرتين وقد حملت ملامحها رسالة أعلنتها لكل من رأي الجثث فيما بعد..
" والله إن للموت لأفراح "