همس .. التعبانين

همس .. التعبانين

السبت، ١٠ مارس ٢٠٠٧

كنت هضرب بابا فقولت اكتب له احسن

جرب أن تقف أمام عشر شاشات عرض عملاقة,تعرض كل منهم مضمون مختلف تماماً..ماتش كورة ساخن من مباريات المونديال المشفرة..برنامج ديني لعمرو خالد يتكلم فيه عن وصف الجنة..قداس القيامة المجيدة بحضور البابا شنودة..فيلم عربي أبيض وأسود لفاتن حمامة وعمر الشريف..فيديو كليب لهيفاء وهبي..لقطات علمية مثيرة لأسرار الهرم الأكبر..فيلم كوميدي لجيم كاري..فيلم لعملية جراحية في قلب طفل لم يتجاوز الأربعة أشهر..برنامج شبابي يناقش وعي الشباب بالحياة الحزبية..أما الأخيرة فتعرض..أحم..أحم (اللي بالي بالك)..
هذا هو أنا يا والدي العزيز مع فارق بسيط..أن شاشات العرض المعروضة أمامي,أنا وكل شاب وفتاة مثلي أكبر بكثير من الرقم 10..إنها فاقت الألاف يا والدي,وأنا لازلت أقف مشدوهاً منبهراً بكل ما هو معروض,لأخرج في النهاية بمحصلة لا تساوي أكثر من صفر,وقد أصيب عقلي المسكين بسكتة دماغية وفقدت القدرة علي التركيزوالتمييز والاستفادة من أي مضمون معروض لأن كله بيغروش علي كله..تماما مثل الصعيدي الذي أنبهر بأضواء المدينة حينما جاء إليها لأول مرة فوقف مشدوهاً لا يعرف من أين يسير وظل في مكانه!!
أتذكر مباديء الخير والعدل والأخلاق والقيم والفضائل التي حاولت أن تزرعها فيّ منذ نعومة أظافري يا والدي الحبيب



حينما بسّطت الأمور لي بأسلوب سهل حتي أفهم فقلت لي هناك ملكين أحدهما علي كتفك اليمين يكتب ما تفعله من الحسنات والأخر علي كتفك الشمال يكتب ما تفعله من السيئات.. وقتها سألتك ببراءة يا أبي وقلت لك (يعني أيه حسنات؟) فقولت يعني حاجة حلوة تنفع بيها نفسك أوأهلك أو أي واحد من الناس..فسألتك مرة أخري ( يعني أيه سيئات؟) فقلت يعني حاجة وحشة تضر بيها نفسك أو أهلك أو أي واحد من الناس,وقبل أن أسألك كيف أفرق بينهما لمحت ذلك في عيناي وأجبتني أن الحلال بيّن والحرام بيّن لأن الله خلق في أنفسنا حاجة اسمها الفطرة,وهي قادرة علي التمييز بين الحسن والسيء..
أتعرف يا والدي؟؟.. لقد كنت أحب كتفي الأيمن وأضع عليه البرفان الجميل الذي كنت تستخدمه وتخبئه في دولابك مني حتي لا ألهو به..كنت أضع عليه الطعام حتي يأكل منه الملاك الطيب الذي يكتب حسناتي لعله يحبني مثلما أحبه,ويزود لي حبة حسنات من عنده فيكون الله مبسوط مني ومن حسناتي مثلما أخبرتني
..
أما كتفي الأيسر فكنت أخاف منه كثيرا,وأطبطب عليه إذا ما أخطأت وأظل أبكي وأبكي حتي لا يفتن عليّ لرب العباد ويخبره أني أخطأت فيزعل مني ويضعني في النار..كنت أتوسل إليه يا والدي وأقول له لا تفتن عليّ أرجوك..بابا أخبرني أن الفتنة أشد من القتل..والنبي يا عمو المسامح كريم وأخر مرة, مش هغلط تاني والله..لكني كنت أخطأ بعدها بدقائق فأعود للبكاء والتوسل..
أتذكُرحينما رأيتني ذات مرة يا والدي العزيز وأنا أبكي وأتوسل لكتفي الشمال فظللت تضحك وأنا أنظر إليك في دهشة واستغراب, فأخبرتني أن الله غفور رحيم؟..لقد أعطيتني الأمل يا والدي الحبيب حينما أخبرتني أن الله حتما سيعلم ما فعلت حتي ولو لم يخبره الملاك الموجود علي كتفي, لكنه يعلم جيدا في نفس الوقت أن البشر يخطئوا ويفعلوا السيئات أكثر من الحسنات لذا فقد جعل فعل الخير عليه عشر حسنات والله يضاعف لمن يشاء أما عمل الشر فعليه سيئة واحدة..ساعتها يا بابا حبيت ربنا جداً أكتر من الأول بكتير وعرفت أنه طيب ومش عايز يعذبنا,وقولت لك ببراءة يا بابا أنا نفسي أحضن ربنا أوي فلمحت في عينك دموع معرفتش سببها وقتها..
حتي الشيطان يا بابا حذرتني منه وطلبت مني ألا أصاحبه,أو ألعب معه,لأنه وحش وقليل الأدب,وتحدي ربنا ولما ماما حواء سمعت كلامه هي وبابا أدم ربنا طردهم من الجنةونزلوا الأرض, وعمري ما هطلع الجنة تاني غير لو بعدت عنه..
مازالت أذناي تتذكر نصحك لي بالصلاة يوم أن أتممت السابعة لأنها أول ما سيسألني عنها ربي يوم اللقاء,وأنها ستحميني من الفحشاء والمنكر والبغي..مازال جسدي يتذكر ضرباتك المبرحة حينما كنت أتكاسل عنها بعد أن أتممت العاشرة..
كنت بزعل أوي منك يا بابا لما تضربني, وأروح أشتكي لماما عشان تجيبلي حقي,وأتكلم في حقك بكام كلمة مش حلوة وأخلي ماما أحسن منك,وأفضل أمجد فيها عشان تتعاطف معايا لكنها كانت بتضربني هي كمان, مش بس كده,دي كمان كانت بتحكيلك اللي أنا قولته عليك..وفي الأخر تخلوني أطلع أنا الغلطان, وكمان تقولوا عليّ بقيت وحش وقليل الأدب,ولازم أسمع كلامكم عشان ربنا يحبني..

كنت بتفرج علي التليفزيون وأبقي مبسوط أوي لما أشوف توم وجيري وكابتن ماجد, وفجأة ألاقيك بتحول القناة عشان عايز تتفرج علي نشرة الأخبار اللي مش بفهم منها حاجة, ورغم إن أوقات كتير كانت النشرة بتكون لسه ماجتش بس أنت برضه بتحول الكارتون عشان عايزني أتفرج علي حاجة تانية مفيدة..لكن اللي كان بييجي قبل النشرة كان المسلسل العربي يا بابا..كان فيه البطل وحش وشرير وبيغلط في أهله ويعلي صوته عليهم, ويفضل يصرخ فيهم " أنا مبقتش صغير..أنا عارف مصلحتي" لكن أنا اتخدعت فيه وأفتكرته قوي وقولت عليه شاطر لأنه عرف يرد عليهم, وياخد حقه منهم, وللأسف يا بابا أنا ما شوفتش غير الحلقة دي, وما عرفتش إن في الحلقات اللي بعد كده البطل غلط وضاع وندم علي ما فعل,وحاول يرجع لكن أهله كانوا خلاص ماتوا وماعدش ينفع يسامحوه..وبدأت تحصل جوايا صراعات بين تفسير الشعراوي اللي كان بييجي كل جمعة وتقعد تتفرج عليه يا بابا وتقول لي " أسمع وأفهم ربنا بيقول أيه" وبين البطل اللي أتمرد علي أهله لأنه كبر وبقي عارف مصلحته..وكانت الصراعات بتزيد أكتر لما ييجي رمضان وأشوفك ماسك المصحف وعايز تختم القرآن وتنزل تصلي صلاة القيام في الجامع و تاخدني معاك بالعافية وأنا نفسي أتفرج علي فوازير شيريهان أو نيللي, أو ألف ليلة وليلة..كان نفسي تديني فرصة يا بابا أقرر واختار لكن أنت كنت بتكسفني لما تقوللي ربنا أحسن ولا اللي أنت عايز تتفرج عليه..
حتي لما لاقيت واحد صاحبي معاه شريط أغاني في المدرسة واستلفته منه مرة يا بابا عشان أشغله علي الكاسيت اللي عندنا,وطلّعت من الكاسيت شريط القرآن اللي كان بصوت الشيخ الطبلاوي, وحطيت شريط الأغاني لاقيتك بتقول أعمل واجبك وذاكر وبعدين أسمع براحتك, لكن ( الميس ) يا بابا كانت طالبة منا واجبات كتير وعاقبتنا أننا نكتب الدرس 5 مرات عشان كنا بنرغي في الحصة,عشان كده ماكانش في وقت أسمع الشريط, ولما صحيت من النوم تاني يوم الصبح قبل ما أروح المدرسة كنت عايز أجرب الشريط وأسمعه قبل ما أرجعه لصاحبي, وفوجئت بيك بتضربني وتقول حرام أبدأ اليوم بالأغاني بدل ما أسمع القرآن, وبدل ما ماما تطبطب عليّ زعقت لي وقالت لي " تستاهل عشان أنت غلطان "..
تعرف يا بابا لما روحت للمدرسة وحكيت اللي حصل لصاحبي اللي كنت مستلف منه الشريط؟؟ قعد يضحك عليّ وقال " أنا بابا عمره ما ضربني وبيسيبني أعمل اللي أنا عايزه عشان هو بيعتبرني راجل..لكن أنت أهلك بيعتبروك عيل" واتسكفت أوي من نفسي وأفتكرت البطل اللي زعق لأهله وصرخ فيهم أنه بقي راجل, بس لسه من جوايا مش قادر أعمل زيه, لكن في نفس الوقت ما بقتش أطبطب عل كتفي اليمين وأحط عليه البرفان زي الأول,ولا بقيت أعيط لكتفي الشمال وأخاف منه..مش عارف ليه..
ولما ظهرت ظاهرة الفيديو كليب يا بابا أنت قولت عليها هبل وابتذال وقلة أدب رغم إن البنات اللي فيها كان كتفهم بس اللي عريان وقتها,قبل ما تيجي واحدة عايزة تحط النقط فوق لحروف, ولما سألت الميس يا بابا " هو الفيديو كليب حرام ؟" ضحكت وقالت " لأ مش حرام لو أنت كنت كبير" ولما قولت لها " بس ده فيه حاجات بعيدة عن ربنا" قالت " ساعة لقلبك وساعة لربك" !!
حتي الميس يا بابا بتتفرج عليه وبتتريق عليّ إني لسه صغير..
كنت ما أعرفش حاجة عن عبدالحليم وأم كلثوم وكنت بحب اسمع عمرو دياب اللي كان لسه بيغني وقتها ما بلاش نتكلم في الماضي,وكنت بشوف قد أيه الناس بتتلم عليه, لما يظهر في أي مكان,والأضواء اللي بتنور حواليه,وأتمني أبقي في شهرته,وألبس نضارة سودا,وأمشي ببطء والناس بتصرخ حواليا وأنا النجم اللي الكل بيحبه ونفسهم يسلموا عليه..
وكله كان كوم ولما كنت بتفرج علي برنامج الكورة في الملعب كان كوم تاني ساعة ماعرفت إن مارادونا اللاعب الأرجنتيني أخد 15 مليون دولار عشان يتنقل من النادي اللي مش فاكر كان اسمه أيه للنادي التاني اللي برضه مش فاكر اسمه أيه, وبعدها حبيت ألعب كورة عشان أبقي مشهور وأخد فلوس كتير, ولما أنت شوفتني بلعب في الشارع ضربتني وقولت لي " أنت بقيت صايع وبتلعب في الشوارع..أنا هطلعك من المدرسة وأشغلك ميكانيكي"من غير حتي ما تديني فرصة أقول لك إن مدرستي مفيهاش حوش نلعب فيه,ولا أنا مشترك في نادي يا بابا..افتكرتني بقيت وحش وضربتني علي طول مع أني بحبك..مش كفاية إن كل الناس بتفكر بطريقة تفكير مختلفة عن طريقة تفكيرك سواء صحابي وأهاليهم وحتي الميس بتاعتي, وبيقولوا عليّ عيل صغيبر بسببك..مش كفاية خوفتني من الملاك اللي علي كتفي الشمال رغم إن محدش من صحابي وزملائي عارف عنه حاجة..ليه أنت كمان مش بتقول ساعة لقلبك وساعة لربك..ثم هو فين ده الشيطان اللي قولت عليه..أنا مش شايفه ولا مصدق حتي إن له وجود,وحتي لو موجود انا مش عبيط ومش هسمع كلامه..
ولأول مرة لاقيتني بصرخ فيك في الشارع قدام صحابي اللي بلعب معاهم,وأنت ضربتني قدامهم يا بابا " أنا مش صغير..أنا عارف مصلحتي..نزل أيدك وما تضربنييييييش"..
ساعتها أنت بصيت لي بذهول وكنت مش مصدق نفسك, وخدتني معاك للبيت وأنت مش قادر تمشي من الصدمة, ولما حكيت لماما ما صدقتكش وقالت لك " أبني ما يعملش كده" بس أنا صرخت فيها هي كمان " لأ أعمل..أنا مش صغير وعارف مصلحتي ي ي ي ي ي"..
ولما لاقيتك ساكت يابابا ومش عارف تنطق من الحزن عجبني الحال وعشت في الدور, وحسيت أني أنتصرت عليك أنت وماما‍‍‍‍!!
أنتصرت علي الناس اللي أنا أصلاً حتة منهم ومن غيرهم ماكانش هيبقي ليّ وجود..
أفتكرت أني كده عملت عليك شخصية وأني بقيت راجل فعلا ,وتاني يوم في المدرسة لاقيت كل صحابي بيستقبلوني باحتفال علي اللي عملته معاك في الشارع, وبدأت أدخل في مرحلة تانية جديدة يا بابا وأنت يا عيني نفسك تغيرني وتخليني أرجع زي ما كنت..مرحلة أني أنفذ اللي في دماغي وشايف أنه صح..وبقيت أرد عليك يا بابا أنت وماما الكلمة بكلمة, وتفضلوا تضربوني وأنا مش هاممني, وأروح المدرسة تاني يوم أحكي أني قوي وبستحمل الضرب وبرضه بعمل اللي في دماغي, حتي إن صحابي اللي كانوا بيتريقوا عليّ بقوا يقلدوني يا بابا..
ومع الأيام صحتك ضعفت أنت وماماوبقيتوا عاجزين أنكم تضربوني , وأنا كمان كبرت وبقيت زي الشحط, وبقي آخر حاجة ممكن تعملوها معايا أنكم تزعقوا وبس, وأنا برضه اللي في دماغي في دماغي, لأني بقيت كبير وعارف مصلحتي..
ومع الأيام يا بابا نسيت كلامك الجميل عن ربنا, وبطلت صلاة,وأقصي حاجة كنت بعملها أني أصلي الجمعة,وكمان كنت ببقي مخنوق أني نازل أصليها, وساعات كتير كنت بشغل إذاعة الأغاني وقت الخطبة عشان ما أسمعش الخطبة يا بابا..بعدت عن ربنا أوي يا بابا, وروحت في طريق تاني خالص غير اللي أنت رسمته ليّ..
بقيت أفضل الأغاني أكتر من القرآن, بس غصب عني يا بابا..أنا عمال أتصدم في الحياة,كل حاجة حلوة بتمناها بتضيع مني..الأحلام كلها بتموت..الإنسانة اللي حبيتها وأخلصت ليها, وحسيت أني عمري ما هقدر أعيش من غيرها,ضاعت مني لأن أهلها شايفني لسه عيل, زي ما أنت كنت بتقول عليّ يا بابا بالظبط,ولأول مرة أحس أني من ساعة ما سيبتك,وما بقتش اسمع كلامك فضلت محلك سر من غير أي تغيير أو تقدم,لدرجة إني لسه عيل ما كبرتش, وكمان قالوا أني مش هقدر أصرف عليها, وجوزوها لواحد غني لسه راجع من الخليج..وفضلت حاسس بالضياع والغدر والخيانة يا بابا

وعرفت بقيمتك,وفضلك عليّ, وأني عمري ما هتقدم غير برضاك عليّ وتوفيق ربنا ليا.
.
ساعتها بدأت أرجع تاني للصلاة والالتزام..رجعت للخوف من الكتف الشمال وحب الكتف اليمين..رجعت للقرآن الكريم بعد آذان الفجر..لكن برضه لسه جوايا حاجة انكسرت يا بابا..لسه حاسس بالضياع بكل معانيه, مش قادر أعيش من غيرها, مش قادر أتخيل أنها هتبقي في حضن واحد تاني..حتي ربنا يا بابا مكسوف منه..هقابله بأي وش بعد اللي عملته ده..أنا بعت كل حاجة حلوة يا بابا والتمن رخيص..
صحاب السوء كانوا عايزيني أشرب سجاير ومخدرات عشان أنسي وأودع الأحزان, وأعيش في سعادة ومزاج عالي, لكن ربنا اللي أنا تمردت علي أوامره,وبعدت عن طريقه خد بأيدي وهداني وأنقذني من السقوط في اللحظة الأخيرة,في الوقت اللي غيري بيسقط فيه بلا رجعة,و أنت وقفت جنبي وأدتني الأمل في رحمة ربنا والأمل في بكرة يا بابا.. ومع ذلك لسه مش قادر ارد لك الجميل..لسه بهرب من المواظبة علي الصلاة..بسمع أغاني وأنسي القرآن..بتفرج علي الفيديو كليب بتاع هيفاء وهبي ونانسي عجرم وإليسا وماريا وروبي,وبعشق صور كاميرون دياز ونيكول كيدمان وكيت وينسلت وميج رايان,وأتابع أخبار مشاهير الفن والرياضة وأحاول أعرف كل حاجة عنهم, وعمري ما فكرت أسمع درس ديني أعرف بيه سيرة الصحابة اللي ساندوا الدين وثبتوا أركانه في شتي أنحاء العالم
..
لما جيت لك يا بابا وعدتك أني هسمع كلامك وعمري ما هخالفك للأبد,وهبذل أقصي ما عندي عشان أبقي علي الصراط المستقيم وبوست أيدك وأيد ماما, لكن أنا فشلت أني أبقي زي ما أنت عايزني, وبدأت بعد فترة أكره قراراتك وأملّ من تفكيرك القديم,ورجعت تاني أقول أني كبرت ومابقتش صغير, وأنك من جيل غير جيلنا,لكن مع ذلك كنت بتأثر أوي لما أشوف دموع في عنيك مني أو نبرة ضعف بسببي..كنت بترمي في حضنك استسمحك وأنا بتقطع من جوايا علي اللي عملته, لأني مش إنسان وحش يابابا..والله العظيم أنا مش إنسان وحش..في جوايا حاجات كتير حلوة لكن مش عارف أظهرها..
تعرف يابابا أني في عز أخطائي وسيئاتي كان بييجي عليّ الليل وأفضل أبكي مع نفسي زي الصغار وأفضل أكلم ربناوأطلب منه ياخد بأيدي وأدعي من كل قلبي " يا رب ما تنسانيش حتي لو أنا نسيتك..يا رب أنت اللي عارف أنا جوايا خير قد أيه..أرحمني يا رب لو روحي اتقبضت مني وأنا في معصية" وأفضل أقسم أني من أول بكرة هبقي شخص جديد,لكن بمجرد ما ييجي الصبح برجع تاني زي ما كنت..
بس والله غصب عني يا رب..غصب عني يا بابا..كل ما أقرر أكون إنسان جديد تاخدني ملايين المغريات اللي حواليا لبحر الغلط والخطيئة,وأنا مجرد بشر,ضعيف,من لحم ,ودم,ومشاعر,وغريزة..لازم غصب عني أتأثر باللي بيحصل حواليا..بالظبط زي المثل اللي ضربته في بداية كلامي..قدامي ملايين شاشات العرض اللي بتعرض مضامين مختلفة وكله بيغروش علي كله..مش عارف أركز أنا مين وعايز أيه..الأبطال كتروا أوي يا بابا ومش عارف أبقي زي مين فيهم..مشاري راشد العفاسي,ولا أحمد عز,ولا سامي يوسف,ولا تامر حسني,ولا حتي أحمد الفيشاوي.. اسمع القرآن وأبكي وبعدها بثواني أشغل الأغاني وأرقص..أسرح بخيالي فأري نفسي نجم محبوب تلتمع من حوله الأضواء وترتمي عليه عشرات المعجبات,وتمضي يده ألاف الأوتوجرافات, بعدها أراني رئيس جمهورية يحكم بالعدل ويعطي كل ذي حق حقه, ولا استغل منصبي للتربح والاستفادة الشخصية..ثم أراني داعية يهدي البشر ويلتف حوله ألاف الملتزمين والملتزمات.. وفي الأخر خالص أقول مش عايز غير إنسانة أحبها وأعيش معاها في سعادة ونخلف بنين وبنات ,ولا نتمني سوي الستر والصحة,وفي النهاية مش بقدر أكون أي حاجة من كل دول لأن الحلم بقت بعيدة أوي حتي السهل منها..حتي كوابيسي يا بابا أختلفت وتشتت وتضاربت..مرة أجدني أسقط من ارتفاع عالي,ومرة أري أنني مقتول والناس ملتفة من حولي وأنا أصرخ فيهم أني لازلت حيا ولا أحد يسمعني..أحياناً أري أني فقدتك يا والدي الحبيب,وأنك فضلت تزعق ليّ وأنا ببجح معاك لغاية ما الأمور تدهورت وأنا ضربتك,وأنت ما استحملتش الصدمة ومت من الزعل.. مت غضبان عليّ وأنا أرتمي علي نعشك وأبكي وأبكي,وأبكي وأطلب منك السماح, لكن بلاجدوي والناس تنتزعني من فوق الصندوق الذي يحمل جسمانك علي باب القبر ويخرجوا جسدك ويهبطوا به لأسفل,وأنا وحيدا شريدا,عمال أصرخ..سامحني يا بابا..بحبك أوي يا بابا..وأحياناً أري والدلتي الحبيبة مريضة بمرض خطير يلتهم صحتها حتي تسقط من الألم والضعف, فأجري عليها واحتضنها وأطلب منها أن تتماسك فتنهض معي وهي تبتسم لي في وهن شديدكي تطمئنني ,وما أن أفرح بقيامها,حتي تسقط مرة أخري وعيناها تنظر للسماء وقد أسلمت روحها إلي ربها وأنا أصرخ أيضاً..
فاكر يا بابا لما لقيتني الساعة 3 الفجر بدخل عليك الأوضة, وأوقظك من النوم فجأة وأنااحتضنك بشدة أنت وأمي, والدموع تنهمر من عيني في ندم شديد وفضلت أحلف لك ساعتها أني مش هزعلك تاني؟ ..كان واحد من تلك الكوابيس المزعجة وظننت أني أفتقدتكما للأبد..
لم يعد لي موقف ثابت وبقيت حاسس أني لابس ملايين الأقنعة يا بابا,كل قناع متفصل علي مقاس سؤال معين من شخص معين , وبمجرد ما يتغير الشخص يتغير القناع وتتبدل الإجابة..في الجامع مع أصحابي الملتزمين بلبس قناع التدين والورع, في الشارع مع صحابي اللي علي الناصية بلبس قناع الروشنة والفساد, في الشغل قناع الوقار والاحترام,في البيت قناع التمرد والعصيان..واختلط عليّ الأمر ومبقتش عارف أنا مين فيهم, وكل ما أخلع قناع ألاقي تحتيه قناع,وأفضل أخلع وأخلع دون أن أصل لوجهي الحقيقي..
تاهت ملامحي الأساسية وأنطمست شخصيتي اللي ربنا خلقني عليها وسط ألاف الشخصيات اللي بمثلّها علي مسرح الحياة..
حتي لما قررت أكون إنسان طموح عشان أنجح وأثبت للكل أني مش فاشل, طموحي خدني لبعيد أوي يا بابا ومش قادر أعرف هل أنا بجتهد عشان نفسي ولا عشان ربنا والناس اللي هتحتاجني لما أكون إنسان ناجح ومسئول..
بس اللي عرفته كويس إن الدنيا بقت صعب أوي يا بابا والواسطة متحكمة في كل حاجة حوالينا ومحدش بيقتنع إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية,وكل مسئول أو حتي موظف صغير عايز يسمع كلمة باشا وبيه,وغيرها من ألفاظ التعظيم والتفخيم,ولازم تحسسه أنه أهم شخص في الدنيا,عشان يقضي لك مصلحتك..النفاق سيطر علي كل حاجة وكل مصلحة لازم يكون قصادها مصلحة,ومحدش بقي يعرف حد..
كان لازم أتعلم أبقي زي الناس بدل ما أضيع في الرجلين, ومن ساعة ما نافقت وتنازلت وأنا بنجح يا بابا رغم أنك بتؤكد لي أني بنزل وأنا مش حاسس..
طب أيه البديل يا بابا..أعمل أيه..أتوب أزاي وأنا كل شوية بغلط ومفيش فايدة..أشتغل أزاي وأنا لازم هنافق واتنازل,ده لو لاقيت شغل من أصله..أبعد عن البنات أزاي وكل بنت لابسة ما قل و(ضل) والأغراء بقي عيني عينك والمكياج والعدسات اللاصقة,والشعر السايح المصبوغ, بقوا سر اللعبة,حتي الحجاب مبقاش حجاب بالمعني المطلوب,وبصراحة البنات أحلوت أوي..أود أهلي وقرايبي وأصل الرحم أزاي والدنيا بقت مشاغل..أتابع أزاي الأحداث من حواليا إذا كنت لما بروح لبتاع الجرايد عشان أشتري جورنال محترم, غصب عني لازم أبص علي كام صورة مش ولابد في كام جورنال أصفر, ولما أفتح التليفزيون عشان أشوف نشرة الأخبار أو برنامج ديني,لازم صباعي اللي عايز قطعه يحول القنوات لغاية ما عيني تلمح أي كليب قليل الأدب أفضل أبص عليه شوية وفي الأخر أحوّل وانا بلعن السفالة والإباحية,وأقول بتقوي وورع اللهم أعفو عنا..
بقيت شايف نفسي يا بابا زي الممثل اللي عمال يلعب أدوار كتير بس تاه وسط الشخصيات اللي بيمثلها ومش عارف هو مين..هل أنا الشاب الثوري اللي رافض اللي بيحصل, ولا الشاب البايظ اللي ضاربها صارمة ومفيش في دماغي غير المتع والشهوات,ولا الشاب الملتزم اللي ندمان علي ماضيه,ولا الواد الروش خفيف الدم الليل مقضيها بين البينين شوية أرقص وأغني وأروح السينما وأخرج مع صحابي الولاد والبنات,وشوية أروح الجامع والجامعة وأحضر محاضراتي..
شايف نفسي بغرق يا بابا ومش قادر أنقذ نفسي,كل حاجة حواليا لا تبشر بالخير,أنا وكل الشباب اللي زيي فقدنا حق الحلم,حق الحب,حق الخيال..حقوقنا أتهضمت يابابا وضعنا وإحنا نفسنا ما نضعش..والله مش عايزين نضيع..وحياتك عندي يا بابا مش قصدنا حتي نبجح في أولياء أمورنا ونتمرد عليهم ونجادلهم كلمة بكلمة..أحنا بعدنا عنكم وعن البيت وبقي كل واحد يقعد في أوضته حاطط الهيدفون بتاعة الكمبيوتر علي ودنه ومشغل بلاي ليست فيها كل أنواع الأغاني ومطنش الدنيا وما فيها لأننا فشلنا في التواصل مع اللي حوالينا..فقدنا حلقة الوصل مع عالمنا..حسينا إننا بقينا أغراب والبلد مش بلدنا يا بابا..حتي بص دموعي مغرقة الورقة أزي..شوف خطي مهزوز بسبب أيدي اللي بترتعش أزاي..والله أنا غلبان يابابا رغم كل اللي عملته..عشان كده قررت أكتب كل اللي في نفسي في ورقة,وأسلمها لك عشان مبقتش قادر حتي إني أتكلم,وأول ما تقري الورقة دي هتلاقيني واقف قدامك نفسي ارتمي في حضنك,وأفضل أعيط يا بابا يا حبيبي.
لكن في النهاية كان كفاية عليّ أوي أني لما كتبت كل ده في ورقة وسلمتهالك عشان تقراها,قولت لي بتأثر وتعاطف " يابني كل ابن أدم خطاء وخير الخطائين التوابين" ولا تقل أنه لا أمل في التوبة لأن الله سبحانه وتعالي يقول " قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً" ثم تابعت بحنان بالغ " وإذا كنت قد يأست من خلع كل الأقنعة دون جدوي ,فهذه الورقة هي وجهك الحقيقي فتمسك به وإياك أن يهرب منك بعد أن وجدته, لأنه هو الذي سيصل بك لبر الأمان" واحتضنتني بشدة كما لم تفعل من قبل وأنت تقول وعيناك تلتمع بالدموع وقد تهدجت نبرات صوتك " ألف مبروك يابني..شد حيلك..اجتهد وهتبقي حاجة حتي لو كل اللي حواليك بيقول مفيش أمل لأن الله لايضيع أجر من أحسن عملاً..ولو أحلامك اتلوثت بحب الشهرة المزيفة والمجد اللي ما يفيدش غير نفسك هتلاقي إيمانك بالله هو المصفاة اللي هتصحح طموحاتك وخيالك"..
كان هذا اليوم هو البداية الحقيقية للإنسان الأصيل الضال داخلي..
وهذا ما حدث مع صاحب الألف وجه..
shiko_4u@hotmail.com

shiko_angel@yahoo.com

هناك ٨ تعليقات:

سجين فى قلب الوطن يقول...

اعترض بشدة على عنوانك

فهو يحمل كم من الوقاحة غير معهود مش شاب مؤدب مثلك على حد قولك

أظن اقل شئ يقدم للوالدين هو الحديث عنهم بأحترام شديد جدا

ارجو ان تتقبل اعتراضى بصدر رحب

بعد كدا ابقى قلل شوية من البوست
مفيش حد عنده وقت :-D
تقبل تحياتى

سجين فى قلب الوطن يقول...

تعليقى عندك تم بعد قراءة كامل الموضوع

انت تقول انك صحفى فأذا كان الأمر كذلك فأظن انه يجب التقيد بمعايير اخلاقيه للمهنة

عنوانك استفزنى شخصيا و لم اصدر رأى لى ألا بعد قراءة الموضوع

و اكرر قولى مرة اخرى
للوالدين قدسية مكتسبة سواء من الدين او المجتمع
فعند التعامل معهما يجب ألا نخلط بين النقد و اساءة التعبيرات

اشكر لك سعة صدرك
تقبل تحياتى

فبركة يقول...

عزيزى الفاضل " سجين " تحياتى على اهتمامك
واشكر لك تقديرك الكامل لقدسية الاباء
لكن للأسف هناك الكثير ممن لا يقدر هذه القدسية
فى هذا الموضوع انا اتكلم بلسان شاب لم يقدر قدسية الاباء ثم ندم لذا فلا تعتبر اننى اقصد اهنة الاباء بقدر تعبيرى عن حالة تناقض تام فى نفوس معظم الشباب وما يعقب سوء اخلاقهم من ندم
لذا تعمدت فى هذا الموضوع ان اتكلم بلسان شاب متناقض نادم على ما فعل وهذا لا يقلل ابدا من احترامى للأهل
حتى القرآن عندما تحدث بلسان المشركين ذكر الخطيئة وقلة الأدب فى حق الخالق عز وجل والرسول
شكرا لك على اهتمامك مرة اخرى

سجين فى قلب الوطن يقول...

الأخ الفاضل شريف

عندما يقرأ اى كتاب سماوى فأنه يحاط بقدسية و فهم و تعمق شديدين
فما بالك بقراءة القرأن الكريم

ما قصدته هنا انك ألقيت الضوء اكثر من اللازم على هذه الشخصية الغير سوية
مما يدفع البعض للأعتقاد بأنها رمز او يأخذ عنها فكرة بطولية

لهذا لزم التنوية و هذا رأى شخصى خاص بى غير ملزم لأحد

و فى كل الأحوال الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية

أشكر لك سعة صدرك الرحب

دمت بكل ود محاور مهذب و محترم

فبركة يقول...

الأخ الفاضل سجين فى قلب هذا الوطن
يا عم والله ماقصدتش اخلى المتكلم رمز او بطل
بالعقل كده ازاى بطل وهو بيندم على قلة ادبه وبيعترف لوالده انه غلطان ووالده بيسامحه..واضح انك مش هتقنتع بس عامة انا كسبت معرفتك واتمنى نكون اصدقاء

سجين فى قلب الوطن يقول...

الأخ الفاضل شريف

القضية يا سيدى ليست اقتناع او عدمه
اذا ذكرت مثال سيئ من مجتمع ما يجب ان يحاط هذا المثال بكل السبل الممكنه لزيادة الكراهية لأفعاله و التنفير منها

ما اراه مناسبا هو عدم ابراز مثل هذه النماذج

قد يكون رائى هو الوجه الأخر لنفس العملة
لكن من وجهة نظرى الشخصية هو الوجة الأمثل

اسعدنى الحوار معك و كذلك صداقتك

تقبل تحياتى

فبركة يقول...

يا جدعان حد يفصل بينى وبين الراجل ده
بص يا أخ سجين
لازم لازم نسلط الضوء على كل نماذج المجتمع
وانا مقتنع تماما ان الشاب اللى غلط فى أهله ده مظلوم وجواه حد كويس رغم كل اللى عمله
بدليل انه راجع لصوابه
وبعدين يا أخى بص للشباب حواليك وأنت تعرف
الرسالة دى يا أستاذ تعبير صريح عن معظم ده لو ما كانش كل شبابنا
ومش عيب ان حد يغلط ومش عيب ان شاب يعلن انه كان هيضرب ابوه طالما هو اكتشف واقتنع انه كان على ضلال وربنا هداه
فى انتظار رد المزيد من القراء للفصل بينى وبينك
سلام

Mony The Angel يقول...

al post tweel awee
bas ana ereeto kollo msh 3arfa azay..
feeh hagat kteer awe law a3adt a3ala2 3aleeha msh hane7'las alnharda..
bas bgad post 7elw :)
Hope U enjoy with ur new start :)